يستعد مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي لعقد اجتماعه الحاسم الأسبوع المقبل، وسط ضبابية غير مسبوقة تحيط بالمشهد الاقتصادي نتيجة الإغلاق الجزئي للحكومة الأميركية، الذي عطّل صدور مؤشرات اقتصادية رئيسية يعتمد عليها صانعو السياسة النقدية في قراراتهم.
فمنذ بدء الإغلاق في الأول من أكتوبر، توقفت تقارير مهمة مثل بيانات الوظائف الشهرية، ما جعل تقديرات سوق العمل تعتمد على مؤشرات محدودة تُظهر استمرار ضعف نمو التوظيف. وتشير مسوحات الفدرالي الميدانية إلى تباطؤ في إنفاق المستهلكين وتراجع في ثقة قطاع الأعمال، بينما تحذّر الشركات من ضغوط تضخمية جديدة، في وقت لا تزال فيه الأسعار أعلى من مستهدف البنك المركزي البالغ 2%.
ورغم ذلك، تُظهر بعض التقديرات تحسّنًا في الاستثمارات التجارية واحتمال تحقيق دفعة للنمو الاقتصادي في 2026 مع دخول تعديلات ضريبية جديدة حيز التنفيذ، من بينها إعفاءات على الدخل الإضافي والإكراميات، ما قد يزيد من القوة الشرائية للأسر.
قرار الفائدة المرتقب
تتوقع الأسواق أن يُقدِم الفدرالي على خفض الفائدة ربع نقطة مئوية لتستقر ضمن نطاق 3.75% إلى 4.00% في اجتماعه يومي 28 و29 أكتوبر.
لكن الاقتصاديين يحذّرون من أن صانعي السياسة “يتحركون في الظلام”، بحسب تعبير ديفيد سيف، كبير الاقتصاديين في بنك “نومورا”، بسبب غياب البيانات الرسمية التي كانت توفر أساسًا لتقييم أوضاع سوق العمل.
وكان جيروم باول، رئيس الفدرالي، قد شدّد مؤخرًا على أن تباطؤ نمو الوظائف إلى متوسط 29 ألف وظيفة شهريًا خلال الصيف الماضي يُعدّ إشارة على فتور سوق العمل، وهو ما يمنح مبررًا لتخفيف السياسة النقدية، لكن دون تجاهل مخاطر التضخم المتجددة.
ضغوط تضخمية قائمة
من المنتظر أن تصدر بيانات مؤشر أسعار المستهلك لشهر سبتمبر في 24 أكتوبر، بعد أن أعادت الحكومة بعض الموظفين المؤقتين لتجهيز التقرير. وتشير توقعات المحللين إلى ارتفاع سنوي بنحو 3.1%، وهو تسارع طفيف يُبقي على قلق بعض أعضاء الفدرالي من خفض الفائدة مبكرًا.
كما ارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي –المقياس المفضل للفدرالي– من 2.3% في أبريل إلى 2.7% في أغسطس، مع توقعات بأن يُنهي العام عند 3.0% قبل أن يبدأ بالتراجع في 2026. ومع ذلك، يحذر بعض المسؤولين من أن استمرار الأسعار فوق المستوى المستهدف لفترة طويلة قد يؤدي إلى ترسيخ توقعات تضخمية يصعب كبحها لاحقًا.
انقسام داخل الفدرالي
الانقسام داخل مجلس الاحتياطي بات واضحًا:
- جيفري شميد، رئيس فدرالي كانساس سيتي، يرى أن الفائدة الحالية “مناسبة” وتمارس ضغوطًا كافية على الأسعار.
- بينما يؤكد ستيفن ميران، العضو الجديد في المجلس، أن الفائدة مرتفعة أكثر من اللازم، معتبرًا أن التضخم في طريقه للانخفاض طبيعيًا.
وتزيد صعوبة متابعة التضخم مع استمرار الإغلاق، حيث تعتمد السلطات النقدية عادة على بيانات حكومية دقيقة لا يمكن استبدالها كليًا بمصادر خاصة، مثل بيانات البطاقات الائتمانية أو تقارير القطاع الخاص.
تحديات الرؤية الاقتصادية
يرى محللون أن غياب البيانات الرسمية يجعل مهمة الفدرالي في موازنة بين دعم النمو وكبح التضخم أكثر تعقيدًا، خاصة في ظل التوترات التجارية المتجددة مع الصين، وظهور خسائر مصرفية محدودة أثرت على أسواق الأسهم.
وقال كريستوفر والر، عضو مجلس المحافظين، إن المرحلة الحالية “شديدة التعقيد”، مشيرًا إلى أن بعض المؤشرات الخاصة تظهر ضعفًا في التوظيف يقابله تسارع محتمل في النمو، مع استمرار إنفاق الشرائح الغنية من الأسر وتوجه الشرائح الأقل دخلًا نحو الاستهلاك الحذر.
وبين ضبابية البيانات وضغوط الأسواق، يبدو أن الفدرالي يتجه نحو خفض محسوب للفائدة، في خطوة قد تمهّد لمرحلة جديدة من السياسة النقدية الحذرة، ريثما تتضح الصورة الكاملة للاقتصاد الأميركي بعد انتهاء الإغلاق الحكومي.