إن تداول الدولار في مصر هو موضوع يشهد تقلبات كبيرة في الأوقات الأخيرة. يتم تداول الدولار في السوق السوداء بأسعار تختلف عن السعر الرسمي بشكل كبير، وهذا الفارق بين السعرين يعكس التوترات والمشكلات التي تواجه الاقتصاد المصري في الوقت الحالي. ومن المهم فهم هذه التحولات والعوامل التي تؤثر على تلك التقلبات.
زيادة السيولة الدولارية:
في الأشهر الأخيرة، شهدت مصر زيادة في حصيلة البنوك من النقد الأجنبي. هذا الارتفاع في السيولة الدولارية يعكس جزءًا من الدعم الخارجي الذي تلقته مصر من مختلف المصادر بما في ذلك البنوك التنموية وصادرات الغاز الطبيعي والمزيد. تلك الزيادة في السيولة الدولارية ساهمت في تحسين قدرة مصر على تلبية احتياجاتها التمويلية الخارجية.
الأزمة السياسية والاقتصادية العالمية:
تأثرت مصر كغيرها من الدول بالتحولات السياسية والاقتصادية العالمية. ولكن في حالة مصر، شهدت البلاد تحديات إضافية بسبب تأثيرات أزمة كورونا وحرب أوكرانيا على الاقتصاد العالمي. هذه التحديات أدت إلى زيادة معدل التضخم في مصر وضغوط اقتصادية إضافية.
تراجع تصنيف مصر الائتماني:
في نهاية الأسبوع الماضي، خفضت وكالة “فيتش” تصنيف مصر الائتماني من “B” إلى “B-” مع نظرة مستقبلية مستقرة. هذا الخفض في التصنيف يعكس المخاطر المتزايدة فيما يتعلق بتمويل مصر من الخارج والديون الحكومية التي ما زالت مرتفعة. وأشارت وكالة “فيتش” إلى بطء التقدم في الإصلاحات الاقتصادية وتأخر الانتقال إلى نظام أكثر مرونة لسعر الصرف، بالإضافة إلى تأجيل مراجعات برامج صندوق النقد الدولي.
رد الحكومة المصرية:
ردًا على تقرير وكالة “فيتش”، طمأن وزير المالية المصري، محمد معيط، الأسواق قائلاً إن الاقتصاد المصري ما زال قادرًا على تلبية الاحتياجات التمويلية الخارجية، وأنه يتمتع بمرونة كافية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية الناتجة عن التوترات الجيوسياسية. وأشار إلى إمكانية حصول مصر على نحو 5 مليارات دولار سنوياً بشروط ميسرة من البنوك التنموية متعددة الأطراف. حيث قدر معيط حجم الاحتياجات التمويلية الخارجية حتى نهاية العام المالي الحالي بحوالي 4 مليارات دولار. مما يشير إلى أنه لا توجد عوائق بشأن تأمين احتياجات مصر الدولارية.
تحدّي السيولة وزيادة الموافقات الجمركية:
شهدت مصادر مطلعة في القطاع المصرفي المصري زيادة ملحوظة في السيولة الدولارية لدى فروع البنوك التابعة للحكومة المصرية. وهذا الارتفاع في السيولة الدولارية ساهم في ارتباك المتعاملين بالسوق السوداء لتداول العملات الأجنبية في مصر.
وأفادت تلك المصادر بأن الفتر
ة الأخيرة شهدت سماحًا للفروع التابعة للبنوك الحكومية بالاحتفاظ بمبالغ من السيولة الدولارية تجاوزت في بعض الأيام حاجز المليوني دولار، وهو التطور الذي يختلف عن ما كان عليه في السابق حيث لم يكن مسموحًا لأي فرع بالاحتفاظ بأي مبالغ من العملات الصعبة.
وأضافت المصادر أن البنوك المركزية توفر الآن لفروعها أي مبالغ من الدولار تطلبها، في تغيير عن الوضع السابق. كما تم إلغاء الحجز المسبق لسحب أي مبالغ تزيد عن عشرة آلاف سواء بالنسبة للدولار أو للعملات الأجنبية الأخرى.
وكشفت المصادر أيضًا أن هناك زيادة ملحوظة في الموافقات المتعلقة بالإفراجات الجمركية للمستوردين بنسبة تتخطى الـ 30%. وهو الأمر الذي يشير إلى أن هناك زيادة بالسيولة الدولارية داخل القطاعات الرسمية.
تأثير تخفيض تكلفة التأمين على ديون مصر:
تراجعت تكلفة التأمين على عقود الديون السيادية لمصر “Credit Default Swaps” الأسبوع الماضي، متأثرة بقرار الفيدرالي الأمريكي بشأن تثبيت أسعار الفائدة، والتي يرونها المحللون كخطوة نحو نهاية سلسلة الزيادات المتتالية بعد انخفاض معدل التضخم في الولايات المتحدة إلى مستوى 3%.
وتسببت أزمة كورونا ومن بعدها حرب أوكرانيا في ارتفاع التضخم في أغلب دول العالم، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، مما دفع الفيدرالي الأمريكي، ومن خلفه البنوك المركزية الأخرى، إلى رفع أسعار الفائدة بشكل متواصل منذ العام الماضي، وهو ما أدى إلى تخارج أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من مصر.
شهدت تكلفة التأمين على عقود الديون السيادية لمصر “CDS” انخفاضًا إلى 1600 نقطة يوم الخميس، مقارنة بالذروة التي بلغت 1900 نقطة في الأسبوع السابق، وهو أدنى مستوى خلال الشهر الحالي.
التأثير على أسعار صرف الدولار:
ظل سعر الصرف الرسمي ثابتًا عند حوالي 30.90 جنيهًا للدولار، بينما يتم تداول الدولار بالسوق السوداء بين مستويي 45 إلى 48 جنيهًا للدولار، مما يشير إلى اتساع الفجوة السعرية للتداولات.
على العموم، يتراجع الدولار والعملات الأجنبية في السوق السوداء كلما كانت هناك أنباء مطمئنة حول وضع الاقتصاد المصري، أو صدور توقعات من مؤسسات وبنوك دولية إيجابية بشأن مستقبل الجنيه. حيث يرتفع العرض ويقل الطلب في هذه الحالة. والعكس صحيح، يرتفع سعر الدولار والعملات الأجنبية ويزداد الطلب كلما كانت الأنباء سلبية وغير مطمئنة بشأن الاقتصاد ومستقبل الجنيه.
ختامًا:
تواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة في الوقت الحالي نتيجة التحولات العالمية والتغيرات في الأوضاع الاقتصادية والسياسية. على الرغم من هذه التحديات، تعكس زيادة السيولة الدولارية جزءًا من تحسن الوضع المالي في البلاد. ومع استمرار التحسن في الاقتصاد المصري واستقرار العوام