أثار خفض وكالتي موديز وستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني لمصر في شهر أكتوبر الماضي الكثير من الجدل حول وضع الاقتصاد المصري ومستقبل الجنيه أمام العملات الأجنبية. يأتي ذلك قبل قرار وكالة فيتش بشأن التصنيف الائتماني لمصر والمقرر صدوره اليوم.
عادةً ما تولي الدول اهتمامًا كبيرًا للتقييمات الصادرة عن وكالات التصنيف الائتماني المشهورة عالميًا. حيث إن هناك العديد من مؤسسات التصنيف الائتماني حول العالم، ولكن أبرزها الثلاث مؤسسات السابق ذكرهم، وهي “فيتش” و”موديز” و”ستاندرد آند بورز”. إذ تسيطر هذه المؤسسات على سوق التصنيفات في العالم باعتبارهم الأكثر مصداقية، والأكثر تأثيرًا أيضًا على قرارات المستثمرين.
مؤسسات التصنيف الائتماني هي شركات خاصة ومستقلة تُصدر تقييمات لما يُعرف بالجدارة الائتمانية لدولة أو مؤسسة ما. وينعكس هذا التصنيف، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا، على ثقة المستثمرين في هذه الدولة أو المؤسسة وعلى كلفة استدانتها من الأسواق المالية.
يتم قياس التصنيف الائتماني من قبل هذه المؤسسات عبر درجات تُظهر قدرة جهة أو دولة ما على تسديد ديونها. وبمعنى آخر، عندما يكون التصنيف ضعيفًا، يكون هناك احتمالية بأن المدين لا يستطيع الوفاء بالتزاماته، بينما التصنيف المرتفع يعني استبعاد هذا الاحتمال.
تصنف وكالة “فيتش” تصنيف مصر الائتماني عند درجة “B” مع نظرة مستقبلية سلبية، وذلك بعد خفض التصنيف في شهر مايو الماضي. وتُعتبر هذه الدرجة هي السادسة من بين 11 درجة في التصنيف. ويُظهر هذا التصنيف وجود مخاطر واضحة للتخلف عن السداد، مع وجود هامش للأمان، إذ يتم تلبية الالتزامات المالية، لكن القدرة على السداد بشكل دائم قد تكون موضوع شك.
تحول النظرة المستقبلية إلى سلبية في تقرير مايو الماضي يشير إلى أن هناك احتمالية لمزيد من التخفيضات في التصنيف في الأشهر القادمة نتيجة للتحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد.
وخفضت وكالة “ستاندرد آند بورز” تصنيف مصر الائتماني بالعملة الأجنبية والمحلية إلى “B-” من “B” مع توقعات مستقبلية مستقرة. يعكس هذا الخفض التأخير المتكرر في تنفيذ الإصلاحات النقدية والهيكلية في مصر بالإضافة إلى عوامل أخرى.
أعلنت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية أنها خفضت التصنيف الائتماني لمصر من B3 إلى Caa1 مع نظرة مستقبلية مستقرة. هذا الخفض يأتي نتيجة تراجع قدرة البلاد على تحمل الديون مع استمرار نقص النقد الأجنبي.
شهدت السوق السوداء لتبادل الدولار والعملات الأجنبية في مصر نشاطًا هائلاً خلال شهر أكتوبر الماضي، وارتفع سعر الدولار في السوق السوداء بشكل كبير بعد خفض التصنيف الائتماني من قبل وكالتي موديز وستاندرد آند بورز.
بلغ سعر الدولار في السوق السوداء مطلع شهر أكتوبر حوالي 38 جنيهًا للدولار الواحد، وهو السعر الذي استقر عنده الدولار وجرى تداوله خلال الأشهر الماضية. وبتتبع الحركة السعرية للعملة الأمريكية نجد أن التحرك بدأ مطلع شهر أكتوبر الماضي، خاصة بعد تخفيض التصنيف الائتماني لمصر من قبل وكالة موديز، والذي صدر يوم السادس من أكتوبر. وهو الأمر الذي يشير إلى مدى تأثر السوق السوداء للدولار بالتصنيف الائتماني.
بعد صدور قرار موديز تحرك السعر وتجاوز حاجز الـ 40 جنيه للدولار ليبلغ مستوى 41 يوم الثامن من أكتوبر.
واصل الدولار تحركاته حول المستويات السابق ذكرها حتى قرار البنك المركزي بشأن تقييد استخدام بطاقات الخصم المباشر الصادرة بالعملة المحلية للاستخدام داخل حدود مصر فقط. وأيضًا قراره بشأن توجيه البنوك العاملة في البلاد بوضع حد أقصى شهري لاستخدام البطاقات الائتمانية وفقا لما يقرره كل بنك. هما القراران اللذان تسببا في ارتفاع قياسي لسعر الدولار بالسوق السوداء.
بيد أن تحركات الدولار لم تتوقف عند هذا الحد، إذ واصل ارتفاعاته متأثرًا بقرار وكالة ستاندرد آند بورز بتخفيض التصنيف الائتماني لمصر أيضًا، والذي صدر في 21 من أكتوبر الماضي. حيث تجاوز الدولار حاجز الـ 45 أمام الجنيه وظل يتحرك فوق هذا المستوى منذ ذلك الحين متأثرًا بالأحداث السابق ذكرها.
هذه التحولات في أسعار الصرف تعكس تأثير القرارات الإئتمانية على الاقتصاد المصري واستقرار العملة المحلية. تزيد من تحديات مصر في مجال السياسات النقدية والاقتصادية وتزيد من صعوبة تمويل الديون وضغوط السيولة الخارجية.
وبالنهاية، يظهر أن خفض التصنيفات الائتمانية يعزز من تحديات الاقتصاد المصري ويجعل من الضروري تنفيذ إصلاحات نقدية وهيكلية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي.